الإنسان الآلي في خدمة مستقبل البشر
مكنسة المستقبل الكهربائية مستديرة الشكل ومصنوعة من البلاستيك، وستزن أقل من ثلاثة كيلوغرامات. وستدخل في أماكن ضيقة بين الأثاث وتحته أثناء تجوالها في المنزل. إنها واحدة من المكانس الكهربائية الذكية الجديدة التي تدور في المكان منظفة أرضية المنزل دون الحاجة إلى تحكم بشري فيها. ورغم أنها لن تنافس ألبرت آينشتاين من حيث الذكاء، إلا أنها ستكون رائدة في مجالها، ومؤشراً لما سيأتي بعد في المستقبل.
وحسبما يقول موقع hi فإن عالم المستقبل الذي نشاهده في البرامج التلفزيونية أو الأفلام المليء بالأجهزة الذكية مثل الإنسان الآلي والآلات البديعة التي تقوم بعمليات حسابية معقدة، لن يكون محصوراً في المعامل أو المصانع الكبرى بل ستكون له امتداداته إلى الأجهزة الرخيصة التي تقوم بالمهام المنزلية اليومية.
لقد بدأت الآلات المنزلية الذكية تخطو أولى خطواتها على طريق المستقبل، مع أن الطريق لا يزال طويلاً أمامها.لا شك أن فكرة ضغط زر ثم التنحي جانبا فيما تقوم الآلة بتنظيف السجاد لها جاذبيتها وعمليتها لكل من يتعيّن عليه الكنس والغسيل والتنظيف. لكن لكي تدخل هذه الآلات كل بيت تقريبا لا بد من أن تتوفر فيها ثلاثة شروط:
أن تكون سهلة الاستعمال، وأن يكون من الممكن الاعتماد عليها، وأن تكون، وهذا هو الشرط الأهم، رخيصة الثمن. فقلة من الناس تستطيع إهدار آلاف الدولارات على جهاز يتطلب براعة وعبقرية في علوم الكمبيوتر لإصلاحه.
الآلي في خدمتكم
الأجهزة المنزلية لم تصل اليوم إلى المرحلة التي يمكن فيها الاعتماد عليها كلية بعد. تقول جينيفر مكنالي، إحدى نواب رئيس شركة إيفوليوشن روبوتيكس، وهي الشركة التي تقوم بتصنيع برمجيات للإنسان الآلي لشركات مثل سوني: «الإنسان الآلي بحاجة لأن يفهمك، ولأن يجد طريقه إلى المطبخ.
ونحن نعمل الآن على إيجاد حل لمشكلة معرفته كيف يشق طريقه إلى المطبخ، أي تمكين الإنسان الآلي من فهمك. إننا نواجه صعوبة في الوقت الحالي في جعل الإنسان الآلي يدرك ويميّز الأصوات».كما أن الأجهزة الذكية لتنظيف الأرضيات، حتى البسيطة نسبيا منها مثل آلة كارشر روبو كلينر Karcher RoboCleaner، ما زالت أغلى بكثير من المكنسة الكهربائية العادية.
ويضيف الموقع ذلك كله على وشك أن يتغيّر، إذ تقول مكنالي إن الإنسان الآلي من حيث التطوّر هو الآن في المرحلة نفسها التي كان فيها الكمبيوتر الشخصي قبل 20 عاما، وهو على وشك الخروج من دائرة الاهتمام الحصري للهواة والأكاديميين والدخول إلى مجال الاستهلاك العام.
وتؤكد مكنالي: «لكل منا إنسانه الآلي المفضل الذي شاهده في الأفلام أو قرأ عنه في الكتب، وكل منا لديه صورة عن الإنسان الآلي الذي يريده، ولذا فإن المنافسة بين الشركات المنتجة ستواجه توقعات راسخة في أذهان المستهلكين».
ولا تقوم الأجهزة الذكية بتنظيف الأرضيات فحسب، فهناك أيضا أجهزة مثل الإنسان الآلي آر أكس ROBOT-Rx الذي يقوم بصرف الوصفات الطبية، ويعيد شحن بطاريته عندما توشك طاقته على النفاد.وهناك أجهزة ذكية لقص الأعشاب تستطيع القيام بذلك دون الارتطام بالأرصفة أو الحيوانات الأليفة أو الأطفال.
كما أن هنالك الكلب الآلي الذكي أيبو Aibo الذي يوفر الرفقة لصاحبه والذي بوسعه أن يتعلم. أما الأجهزة الذكية قيد التطوير فستكون ذات يوم قادرة على مساعدة المسنين في أداء مهامهم اليومية، والسماح لهم بالاستمرار في الإقامة في منازلهم بدلا من Aibo الانتقال إلى بيوت العجزة.
تطوّر نوعي
وقام العلماء والمخترعون، في شهر مارس الماضي، بتركيب مجسّات وأجهزة كمبيوتر في عدة أنواع من المركبات، وحولوها بشكل أساسي إلى أجهزة ذكية قادرة على تسيير نفسها ذاتيا، كما تم برمجتها لتخوض سباقا مسافته 240 كيلومترا من الأراضي الصحراوية الواقعة بين بلدة بارستو في كاليفورنيا ولوس أنجلوس.
ورغم أن أيا من هذه المركبات لم تكمل السباق إلى نهايته، إلا أنها أظهرت أن التكنولوجيا اللازمة لتسيير سيارة ذكية باتت قاب قوسين أو أدنى. وتمثل هذه الأجهزة تطورا نوعيا هائلا قياسا بما كان سائدا قبل 15 عاما، حينما كان الإنسان الآلي يعني للكثيرين «آلة ذات ست أرجل شبيهة بالحشرات» تتزحلق على أرضيات مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد مساشوستس للتكنولوجيا .
يقول بيل ثوماسماير رئيس منظمة روبوتيكس فاوندري، وهي منظمة تكرس جهودها للدفع بتطوير تكنولوجيا الأجهزة الذكية في الولايات المتحدة، ومقرها ولاية بنسلفانيا، إن «هنالك فرصة طيبة لأن تكون المنتجات التي نراها الآن بوادر لطائفة واسعة من المنتجات، فعلى الرغم من أن التكنولوجيا ذات الطابع المقارب للذكاء البشري ما زال أمامها عقود من الزمن لتتطور، لكننا نرى بشائرها تتحقق الآن».
الإنسان الرقمي
ويؤمن ثوماسماير فعلا بأن هذه ليست سوى البداية، وأن الإنسان الآلي سيكون له حضور واسع في القرن ال21، تماما كما كانت السيارات في القرن الماضي. فقد بدأت السيارات كسلع غالية الثمن قابلة للعطب لا تتوفر سوى للقليل من الناس قبل أن تصبح جزءاً من حياتنا اليومية. ويمكن لهذا الأمر أن يجعل صناعة الأجهزة الذكية عاملا اقتصاديا رئيسيا في السنوات القادمة.
وفيما تمارس حداثة الأجهزة الذكية مثل روبوكلينر سحرها على معظم الناس، فإن آخرين بدأوا فعلا في التفكير في ما ستكون عليه الأجيال القادمة من هذه الأجهزة. يقول الدكتور سيدني بيركويتز الأستاذ في جامعة إيموري في بمدينة أتلانتا، ومؤلف كتاب الإنسان الرقمي Digital People .
وهو كتاب حول تاريخ الإنسان الآلي: «من المحتمل أن يكون هناك دماغ سيليكوني مكافئ لدماغ الإنسان بحلول 2020-2025، لكن ذلك يثير قضية أخرى: إن كان لهذا الدماغ السيليكوني مشاعر، فهل ينبغي استعباده؟ وهل سيكون من الخطأ، بأي شكل من الأشكال، استخدامه كخادم منزلي؟» وهل سيكون التخلّص من آلة كتلك، ناهيك عن إغلاقها، عملا أخلاقيا؟
يقول الدكتور بيركويتز: «لا أحد يظن أن رمي الحجر عمل غير أخلاقي، لكن الناس يعتقدون أن ركل أو إساءة معاملة حيوان أليف عمل غير أخلاقي. إنها مسألة ضمير».
واستنادا إلى المرحلة التي وصل إليها التقدم في مجال الإنسان الآلي في يومنا هذا، فإنه لن يتعيّن علينا التصدي لمثل هذه الأسئلة قبل عقود من الزمن. لكن إذا نظرت إلى إنسان آلي اليوم يقوم بقص الأعشاب أو تنظيف الأرضية سيكون بوسعك أن تتخيل بسهولة كيف ستسهّل هذه الآلات الذكية حياة الأجيال القادمة.
تقول مكنالي من إيفوليوشن روبوتيكس إن الاحتياجات التي ستلبيها هذه التكنولوجيا والمنافع الكامنة فيها هائلة، «فجزء كبير من السكان يتقدمون في السن ولذا فإننا سنحتاج إلى آلات منزلية ذكية لمساعدة المسنين، ولحماية المنزل أو لمجرد اللعب مع أطفالنا».